قال رجل يقال له يونس.. انصرفت من الحج فمررت بماوية وكان لي فيها صديق
من بني عامر بن صعصعة، فصرت إليه مسلماً، فأنزلني، فبينما أنا عنده، ونحن
قاعدان بفنائه، إذا نساءٌ مستبشرات، وهن يقلن: تكلم تكلم! فقلت: ما هذا؟
فقالوا: فتىً منا كان
يعشق ابنة عم له، فزوجت، وحملت إلى ناحية الحجاز، فإنه لعلى فراشه منذ حول ما تكلم، ولا أكل، إلا أن يؤتى بما يأكله ويشربه.
فقلت:
أحب أن أراه. فقام، وقمت معه فمشينا غير بعيد،
وإذا بفتىً مضطجع بفناء بيت من تلك البيوت، لم يبق منه إلا خيال، فأكب
الشيخ عليه يسأله، وأمه واقفة، فقالت: يا مالك! هذا عمك أبو فلان يعودك،
ففتح عينيه، وأنشأ يقول:
ليبكِني اليومَ أهلُ الوُدّ والشَّفَقِ، | لم يبقَ من مهجتي إلاّ شفا رَمَقِ |
اليوْمَ آخرُ عَهدي بالحياةِ، فَقَد | أُطلِقتُ من رَبقَةِ الأحزانِ والقَلَقِ |
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ثم تنفس الصعداء فإذا هو ميت، فقام الشيخ، وقمت فانصرفت إلى خبائه فإذا جارية بضة تبكي وتتفجع. فقال الشيخ: ما يبكيك؟ فأنشأت تقول:
ألا أُبَكّي لِصَبّ شَفّ مُهْجَتَهُ | طولُ السَّقامِ وأضنى جسمَه الكَمَدُ |
يا لَيتَ مَن خَلّفَ القلبَ الهَيومَ به، | عِندي فأشكو إليه بعض ما أجِدُ |
أنَشْرُ تُرْبِكَ أسرَى لي النسيمُ بهِ، | أأم أنتَ حيثُ يُناطُ السَّحرُ والكَبِدُ |