الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وهداه السبيل إما شاكراً وإما
كفورا . والصلاة والسلام على سيد الخلق وحبيب الحق محمد بن عبد الله .
الأخوة
الأفاضل . ما أجمل ان يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا وقلبه معلق بالله
سبحانه . فيكون بصره الذي يبصر به وسمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها .
لايخشى في الله لومة لائم ولا يراوغ ولا يداهن ولا يحقرن نفسه ولا يتبع
نفسه هواها يرضى بقضاء الله ويصبر على بلواه وهذا ما بينه المصطفى عليه
الصلاة والسلام لصحابته حيث قال لهم أمؤمنون أنتم ؟ قال عمر رضي الله عنه ,
نعم يا رسول الله . قال الرسول : فما حقيقة إيمانكم ؟ قال الفاروق : نصبر
على البلاء ونرضى بالقضاء ونشكر في الرخاء . فأصدر سيد الخلق حكمه النافذ
العميق قائلاً لهم ((مؤمنون ورب الكعبة )) .
ولكي
تبقى ثمرة الايمان في القلب قوياً أثرها لا تعكر عليه مفاتن الدنيا
وزينتها وفساد الاعلام والواقع والنظام ووساوس الشيطان والنفس الأمارة كان
لابد من مداومة المراقبة لأعماله وأقواله من ميزان الاخلاص ,قال تعالى: ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ . و قال: ﴿الا الذين تابوا واصلحوا واعتصموا بالله و اخلصوا دينهم لله ﴾
. وعن رسول ِاللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال : (إذا كانَ يومُ
القيامةِ جاءتِ الملائكة ُبصُحُفٍ مُختـَّمة ٍ, فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ :
ألقوُا هذا , وأقبلوا هذا , فتقولُ الملائكة ُ: وعزَّتِكَ ما كتبنا إلاَّ
ما كان , فيقولُ :إنَّ هذا كانَ لغيري , ولا أقبلُ اليومَ إلاَّ ما كانَ
لي)... وعنْ سعيدِ بن جبير ٍقال :{ لا يُقبلُ قولٌ إلاَّ بعمل ، ولا يُقبلُ
قولٌ وعملٌ إلاَّ بنيةٍ ، ولا يُقبلُ قولٌ وعملٌ ونية ٌ إلاَّ بموافقةِ
السُّـنَّة }...وعن ِالفـُضَيل ِبن ِعِيَاض رحمه الله قال في الاية (
لِيَبلُوَكـُمْ أَيُّكـُمْ أَحْسَنُ عَمَلا.... . قالَ : أخلصُهُ وأصوبُهُ ،
فقيلَ يا أبا عليٍّ : مَا أخلصُهُ وأصوبُهُ ؟ فقال: إنَّ العملَ إذا كانَ
صواباً ولمْ يكنْ خالصاً لمْ يُقبل ، وإذا كانَ خالصاً ولمْ يكنْ صواباً
لمْ يُقبل ، حتى يكونَ خالصاً صواباً ، والخالصُ أنْ يكونَ للهِ ، والصوابُ
أنْ يكونَ على السُّـنَّة 0
فالإخلاص وصدق النية هما المحور ومركز الدائرة ومن أخطر المراحل التي يبتلى
بها الإنسان أن يدعي الايمان وأفعاله وأقواله لا تمت الى ذلك بصلة وعندئذ
يحدث انفصال بين السلوك والمعتقد ومن ثم فان القرآن العظيم يحذر من الوقوع
في تلك الهاوية . قال جل شأنه : ﴿اتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون﴾
. لذا كان لزاماً على كل مسلم يشهد بالوحدانية وأن الجنة حق والنار حق
ويوم الحساب حق ان تكون حركاته وسكناته وافعاله واعماله خالصتاً لله..
وأتقوا الله ما استطعتم.. فأين اخلاص القول في
الذين لا يتركون جهداً في توبيخ من خالف رأيهم, وسبه وشتمه ووصفه بصفات لا
يرضاها الله ورسوله, فيجبرونه على ترك نقاشهم ونبينا الأكرم عليه أفضل
الصلاة وأتم التسليم يقول:" المسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يخذله ويقول
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد " . ويقول : " المسلم من
سلم المسلمون من لسانه ويده " ويقول: " سباب المسلم فسوق " فالمسلم الحق
يتبع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون لعاناً وفاحشاً وبذيئاً
ولا يسمح للشيطان ان يدخل الى أسوار قلبه فيطلق العنان لإخوانه بالسب
والشتم وهذا لا يليق بمسلم ولا يظن انه في غرفته أمام شاشة الكمبيوتر
وحيداً فيصب حقده وجهله على اخوته فالله سبحانه يقول وما يلفظ من قول الا
لديه رقيب عتيد . وأختتم كلمتي بوصية الصديق لعمر رضي الله عنهما
... عن قتادة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حضر بعث إلى عمر رضي الله
عنه ، فدعاه يوصيه فلما حضر قال :
اعلم أن لله عز وجل في النهار حقا لايقبله في الليل، وأعلم أن لله عز وجل
في الليل حقا لا يقبله في النهار ، وأعلم أنه لا تقبل نافلة حتى تؤدى
الفريضة ، وأعلم أن الله عز وجل ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم ، فيقول
القائل : أين يقع عملي من عمل هؤلاء ؟ وذلك أن الله عز وجل تجاوز عن سيئ
أعمالهم ، فلم يثربه ، واعلم أن الله عز وجل ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم ،
ويقول قائل : أنا خير من هؤلاء عملا ، وذلك أن الله عز وجل رد عليهم أحسن
أعمالهم ، فلم يقبله ، واعلم ان الله عز وجل أنزل آية الرخاء عند آية الشدة
، وآية الشدة عند آية الرخاء ، ليكون المؤمن راغبا راهبا لئلا يلقي بيده
إلى التهلكة ، ولا يتمنى على الله إلا الحق ، واعلم إنما ثقلت موازين من
ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، وثقل ذلك عليهم ،
واعلم إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في
الدنيا وخفت ذلك عليهم ، فإن أنت قبلت وصيتي هذه فلا يكون شيء أحب إليك من
الموت ، ولا بد من لقائه ، وان أنت ضيعت وصيتي هذه ، فلا يكونن شيء أكثر
حبا إليك من الموت ، ولست بمعجزه .
اللهم
يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد أسألك بكل اسم هو لك أن تغفر للمؤمنين
والمؤمنات وأن تغفر لحملة دعوتك وأن تتجاوز عن سيأتهم وأن تؤلف بين قلوبهم
وان توفقهم لما يهدفون اللهم نصرك الذي وعدت لهم اللهم ملأ الحزن والذل
اركان قلوبنا فبعزتك وجلالك وقدرتك عجل لنا بقيام دولة الاسلام , آمين